سورة التوبة - تفسير تفسير الألوسي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (التوبة)


        


{إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (40)}
{إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ الله إِذْ أَخْرَجَهُ الذين كَفَرُواْ} من مكة، وإسناد الإخراج إليهم إسناد إلى السبب البعيد فإن الله تعالى أذن له عليه الصلاة والسلام بالخروج حين كان منهم ما كان فخرج صلى الله عليه وسلم بنفسه {ثَانِيَ اثنين} حال من ضميره عليه الصلاة والسلام. أي أحد اثنين من غير اعتبار كونه صلى الله عليه وسلم ثانيًا، فإن معنى قولهم ثالث ثلاثة ورابع أربعة ونحو ذلك أحد هذه الأعداد مطلقًا لا الثالث والرابع خاصة، ولذا منع الجمهور أن ينصب ما بعد بأن يقال ثالث ثلاثة ورابع أربعة، فلا حاجة إلى تكلف توجيه كونه عليه الصلاة والسلام ثانيهما كما فعله بعضهم. وقرئ {ثَانِيَ} بسكون الياء على لغة من يجري الناقص مجرى المقصور في الإعراب، وليس بضرورة خلافًا لمن زعمه وقال: إنه من أحسن الضرورة في الشعر. واستشكلت الشرطية بأن الجواب فيها ماض ويتشرط فيه أن يكون مستقبلًا حتى إذا كان ماضيًا قلب مستقبلًا وهنا لم ينقلب، وأجيب بأن الجواب محذوف أقيم سببه مقامه وهو مستقبل أي إن لم تنصروه فسينصره الله تعالى الذي قد نصره في وقت ضرورة أشد من هذه المرة وإلى هذا يشير كلام مجاهد، وجوز أن يكون المراد إن لم تنصروه فقد أوجب له النصرة حين نصره في مثل ذلك الوقت فلن يخذله في غيره، وفرق بين الوجهين بعد اشتراكهما في أن جواب الشرط محذوف بأن الدال عليه على الوجه الأول النصرة المقيدة بزمان الضعف والقلة في السالف وعلى الوجه الثاني معرفتهم بأنه صلى الله عليه وسلم من المنصورين، وقال القطب: الوجهان متقاربان إلا أن الأول مبني على القياس والثاني على الاستصحاب فإن النصرة ثابتة في تلك الحالة فتكون ثابتة في الاستقبال إذ الأصل بقاء ما كان على ما كان، وقيل: إنه على الوجه الأول يقدر الجواب وعلى الثاني هو نصر مستمر فيصح ترتيبه على المستقبل لشموله له {إِذْ هُمَا فِى الغار} بدل من {إِذْ أَخْرَجَهُ} بدل البعض إذ المراد به زمان متسع فلا يتوهم التغاير المانع من البدلية، وقيل: إنه ظرف {ثَانِيَ اثنين} والمراد بالغار ثقب في أعلى ثور وهو جبل في الجهة اليمنى لمكة على مسير ساعة، مكثا فيه كما روي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما ثلاثة أيام يختلف إليهما بالطعام عامر بن فهيرة؛ وعلي كرم الله تعالى وجهه يجهزهما فاشترى ثلاثة أباعر من إبل البحرين واستأجر لهما دليلًا، فلما كانا في بعض الليل من الليلة الثالثة أتاهم علي كرم الله تعالى وجهه بالإبل والدليل فركبوا وتوجهوا نحو المدينة، ولاختفائه عليه الصلاة والسلام في الغار ثلاثة اختفى الإمام أحمد فيما يروى زمن فتنة القرآن كذلك لكن لا في الغار، واختفى هذا العبد الحقير زمن فتح بغداد بعد المحاصرة سنة سبع وأربعين بعد الألف والمائتين خوفًا من العامة وبعض الخاصة لأمور نسبت إليّ وافتراها بعض المنافقين علي في سرداب عند بعض الأحبة ثلاثة أيام أيضًا لذلك ثم أخرجني منه بالعز أمين وأيدني الله تعالى بعد ذلك بالغر الميامين {إِذْ يَقُولُ} بدل ثان، وقيل: أول {لصاحبه} وهو أبو بكر الصديق رضي الله تعالى عنه.
وقد أخرج الدارقطني. وابن شاهين. وابن مردويه. وغيرهم عن ابن عمر قال: «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر رضي الله تعالى عنه: أنت صاحبي في الغار، وأنت معي على الحوض» وأخرج ابن عساكر من حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما. وأبي هريرة مثله، وأخرج هو. وابن عدي من طريق الزهري عن أنس «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لحسان: هل قلت في أبي بكر رضي الله تعالى عنه شيئًا؟ قال: نعم. قال: قل وأنا أسمع. فقال حسان رضي الله تعالى عنه:
وثاني اثنين في الغار المنيف وقد *** طاف العدو به إذ صاعد الجبلا
وكان حب رسول الله قد علموا ***من البرية لم يعدل به رجلا
فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه ثم قال: صدقت يا حسان هو كما قلت» ولم يخالف في ذلك أحد حتى الشيعة فيما أعلم لكنهم يقولون ما ستعلمه ورده إن شاء الله تعالى: {لاَ تَحْزَنْ إِنَّ الله مَعَنَا} بالعصمة والمعونة فهي معية مخصوصة وإلا فهو تعالى مع كل واحد من خلقه. روى الشيخان. وغيرهما عن أنس قال: حدثني أبو بكر قال: «كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في الغار فرأيت آثار المشركين فقلت: يا رسول الله لو أن أحدهم رفع قدمه لأبصرنا تحت قدمه. فقال عليه الصلاة والسلام: يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله تعالى ثالثهما». وروى البيهقي وغيره. «أنه لما دخلا الغار أمر الله تعالى العنكبوت فنسجت على فم الغار وبعث حمامتين وحشيتين فباضتا فيه وأقبل فتيان قريش من كل بطن رجلًا بعصيهم وسيوفهم حتى إذا كانوا قدر أربعين ذراعًا تعجل بعضهم فنظر في الغار ليرى أحدًا فرأى حمامتين فرجع إلى أصحابه فقال: ليس في الغار أحد ولو كان قد دخله أحد ما بقيت هاتان الحمامتان». وجاء في رواية قال بعضهم: إن عليه لعنكبوتًا قبل ميلاد محمد صلى الله عليه وسلم فانصرفوا، وأول من دخل الغار أبو بكر رضي الله تعالى عنه، فقد أخرج ابن مردويه عن جندب بن سفيان قال: لما انطلق أبو بكر رضي الله تعالى عنه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الغار قال أبو بكر: لا تدخل يا رسول الله حتى استبرئه فدخل الغار فأصاب يده شيء فجعل يمسح الدم عن أصبعه وهو يقول:
ما أنت إلا أصبع دميت *** وفي سبيل الله ما لقيت
روى البيهقي في الدلائل. وابن عساكر «أنه لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم مهاجرًا تبعه أبو بكر فجعل يمشي مرة أمامه ومرة خلفه ومرة عن يمينه ومرة عن يساره. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما هذا يا أبا بكر؟ فقال: يا رسول الله أذكر الرصد فأكون أمامك واذكر الطلب فأكون خلفك ومرة عن يمينك ومرة عن يسارك لا آمن عليك فمشى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلته على أطراف أصابعه حتى حفيت رجلاه فلما رأى ذلك أبو بكر حمله على كاهله وجعل يشتد به حتى أتى فم الغار فأنزله ثم قال: والذي بعثك بالحق لا تدخل حتى أدخله فإن كان فيه شيء نزل بي قبلك فدخل فلم ير شيئًا فحمله فأدخله وكان في الغار خرق فيه حيات وأفاعي فخشي أبو بكر أن يخرج منهن شيء يؤدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فألقمه قدمه فجعلن يضربنه ويلسعنه وجعلت دموعه تتحدر وهو لا يرفع قدمه حبًا لرسول الله صلى الله عليه وسلم». وفي رواية «أنه سد كل خرق في الغار بثوبه قطعه لذلك قطعًا وبقي خرق سده بعقبه» رضي الله تعالى عنه {فَأَنزَلَ الله سَكِينَتَهُ} وهي الطمأنينة التي تسكن عندها القلوب {عَلَيْهِ} أي على النبي صلى الله عليه وسلم. وأخرج ابن أبي حاتم. وأبو الشيخ. وابن مردويه. والبيهقي في الدلائل. وابن عساكر في تاريخه عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن الضمير للصاحب. وأخرج الخطيب في تاريخه عن حبيب بن أبي ثابت نحوه، وقيل: وهو الأظهر لأن النبي عليه الصلاة والسلام لم ينزعج حتى يسكن ولا ينافيه تعين ضمير {وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا} له عليه الصلاة والسلام لعطفه على {نَصَرَهُ الله} لا على {أَنَزلَ} حتى تتفكك الضمائر على أنه إذا كان العطف عليه كما قيل به يجوز أن يكون الضمير للصاحب أيضًا كما يدل عليه ما أخرجه ابن مردويه من حديث أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأبي بكر رضي الله تعالى عنه: «يا أبا بكر إن الله تعالى أنزل سكينته عليك وأيدك» إلخ وأن أبيت فأي ضرر في التفكيك إذا كان الأمر ظاهرًا.
واستظهر بعضهم الأول وادعى أنه المناسب للمقام، وإنزال السكينة لا يلزم أن يكون لدفع الانزعاج بل قد يكون لرفعته ونصره صلى الله عليه وسلم، والفاء للتعقيب الذكرى وفيه بعد، وفسرها بعضهم على ذلك الاحتمال بما لا يحوم حوله شائبة خوف أصلًا، والمراد بالجنود الملائكة النازلون يوم بدر.
والأحزاب. وحنين، وقيل: هم ملائكة أنزلهم الله تبارك وتعالى ليحرسوه في الغار. ويؤيده ما أخرجه أبو نعيم عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله تعالى عنه «أن أبا بكر رأى رجلًا يواجه الغار فقال: يا رسول الله إنه لرآنا قال: كلا إن الملائكة تستره الآن بأجنحتها فلم ينشب الرجل أنقعد يبول مستقبلهما فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا أبا بكر لو كان يرانا ما فعل هذا»، والظاهر أنهما على هذا كانا في الغار بحيث يمكن رؤيتهما عادة ممن هو خارج الغار، واعترض هذا القول بأنه يأباه وصف الجنود بعدم رؤية المخاطبين لهم إلا أن يقال: المراد من هذا الوصف مجرد تعظيم أمر الجنود، ومن جعل العطف على {أَنَزلَ} التزم القول المذكور لاقتضائه لظاهر حال الفاء أن يكون ذلك الإنزال متعقبًا على ما قبله وذلك مما لا يتأتى على القول الأول في الجنود {وَجَعَلَ كَلِمَةَ الذين كَفَرُواْ السفلى} أي كلمتهم التي اجتمعوا عليها في أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم في دار الندوة حيث نجاه ربه سبحانه على رغم أنوفهم وحفظه من كيدهم مع أنهم لم يدعوا في القوس منزعًا في إيصال الشر إليه، وجعلوا الدية لمن يقتله أو يأسره عليه الصلاة والسلام، وخرجوا في طلبه عليه الصلاة والسلام رجالًا وركبانًا فرجعوا صفر الأكف سود الوجوه، وصار له بعض من كان عليه عليه الصلاة والسلام. فقد أخرج ابن سعد. وأبو نعيم. والبيهقي كلاهما في الدلائل عن أنس رضي الله تعالى عنه قال: «لما خرج النبي صلى الله عليه وسلم. وأبو بكر التفت أبو بكر فإذا هو بفارس قد لحقهم فقال: يا نبي الله هذا فارس قد لحق بنا فقال صلى الله عليه وسلم: اللهم اصرعه فصرع عن فرسه فقال: يا نبي الله مرني بما شئت قال: فقفت مكانك لا تتركن أحدًا يلحق بنا فكان أول النهار جاهدًا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وآخر النهار مسلحة» وكان هذا الفارس سراقة، وفي ذلك يقول لأبي جهل:
أبا حكم والله لو كنت شاهدا *** لأمر جوادي إذ تسيخ قوائمه
علمت ولم تشكك بأن محمدا *** رسول ببرهان فمن ذا يقاومه
وصح من حديث الشيخين وغيرهما «أن القوم طلبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم. وأبا بكر، وقال أبو بكر: ولم يدركنا منهم إلا سراقة على فرس له فقلت: يا رسول الله هذا الطلب قد لحقنا فقال: {لاَ تَحْزَنْ إِنَّ الله مَعَنَا} حتى إذا دنا فكان بيننا وبينه قدر رمح أو رمحين أو ثلاثة قلت: يا رسول الله هذا الطلب قد لحقنا وبكيت قال: لم تبكي؟ قلت: أما والله ما أبكي عل نفسي ولكن أبكي عليك فدعا عليه عليه الصلاة والسلام وقال: اللهم أكفناه بما شئت فساخت فرسه إلى بطنها في أرض صلدة ووثب عنها وقال: يا محمد إن هذا عملك فادع الله تعالى أن ينجيني مما أنا فيه فوالله لأعمين على من ورائي من الطلب وهذه كنانتي فخذ منها سهمًا فانك ستمر بإبلي وغنمي في موضع كذا وكذا فخذ منها حاجتك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا حاجة لي فيها ودعا له فانطاق ورجع إلى أصحابه ومضى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا معه حتى قدمنا المدينة...» الحديث، ويجوز تفسير الكلمة بالشرك وهو الذي أخرجه ابن المنذر.
وابن أبي حاتم. والبيهقي في الأسماء والصفات ن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما فهي مجاز عن معتقدهم الذي من شأنهم التكلم به، وفسرها بعضهم بدعوة الكفر فهي عنى الكلام مطلقا، وزعم شيخ الإسلام بأن الجعل المذكور على التفسيرين آب عن حمل الجنود على الملائكة الحارسين لأنه لا يتحقق جرد الانجاء بل بالقتل والأسر ونحو ذلك، وأنت تعلم أنه لا إباء على التفسير الذي ذكرناه نحن على أن كون الانجاء مبدأ للجعل بتفسيريه كاف في دفع الإباء بلا امتراء {وَكَلِمَةُ الله هِىَ العليا} يحتمل أن يراد بها وعده سبحانه لنبيه صلى الله عليه وسلم المشار إليه بقوله تعالى: {وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الذين كَفَرُواْ لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ الله والله خَيْرُ الماكرين} وإما كلمة التوحيد كما قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، وإما دعوة الاسلام كما قيل، ولا يخفى ما في تغيير الأسلوب من المبالغة لأن الجملة الاسمية تدل على الدوام والثبوت مع الإيذان بأن الجعل لم يتطرق لتلك الكلمة وأنها في نفسها عالية بخلاف علو غيرها فانه غير ذاتي بل بجعل وتكلف فهو عرض زائل وأمر غيرقار ولذلك وسط ضمير الفصل.
وقرأ يعقوب {كَلِمَةَ الله} بالنصب عطفًا على {كَلِمَةَ الذين} وهو دون الرفع في البلاغة، وليس الكلام عليه كأعتق زيد غلام زيد كما لا يخفى {والله عَزِيزٌ} لا يغالب في أمرهه {حَكِيمٌ} لا قصور في تدبيره هذا. واستدل بالآية على فضل أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه وهو لعمري مما يدع الرافضي في حجر ضب أو مهامه قفر فانها خرجت مخرج العتاب للمؤمنين ما عدا أبا بكر رضي الله تعالى عنه. فقد أخرج ابن عساكر عن سفيان بن عيينة قال: عاتب الله سبحانه المسلمين جميعًا في نبيه صلى الله عليه وسلم غير أبي بكر وحده فانه خرج من المعاتبة ثم قرأ {إِلاَّ تَنصُرُوهُ} الآية، بل أخرج الحكيم الترمذي عن الحسن قال: عاتب الله تعالى جميع أهل الأرض غير أبي بكر رضي الله تعالى عنه فقال: {إِلاَّ تَنصُرُوهُ} الخ.
وأخرج ابن عساكر عن علي كرم الله تعالى وجهه بلفظ إن الله تعالى ذم الناس كلهم ومدح أبا بكر رضي الله تعالى عنه فقال: {إِلاَّ تَنصُرُوهُ} الخ، وفيها النص على صحبته رضي الله تعالى عنه لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يثبت ذلك لأحد من أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام سواه، وكونه المراد من الصاحب مما وقع عليه الإجماع ككون المراد من العبد في قوله تعالى: {سُبْحَانَ الذى أسرى بِعَبْدِهِ} [الإسراء: 1] رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن هنا قالوا: إن إنكار صحبته كفر، مع ما تضمنته من تسلية النبي عليه الصلاة والسلام له بقوله: {لاَ تَحْزَنْ} وتعليل ذلك عية الله سبحانه الخاصة المفادة بقوله: {إِنَّ الله مَعَنَا} ولم يثبت مثل ذلك في غيره بل لم يثبت نبي معية الله سبحانه له ولآخر من أصحابه وكأن في ذلك إشارة إلى أنه ليس فيهم كأبي بكر الصديق رضي الله عنه.
وفي انزال السكينة عليه بناء على عود الضمير إليه ما يفيد السكينة في أنه هو هو رضي الله تعالى عنه ولعن باغضيه، وكذا في انزالها على الرسول عليه الصلاة والسلام مع أن المنزعج صاحبه ما يرشد المنصف إلى أنهما كالشخص الواحد، وأظهر من ذلك إشارة ما ذكر إلى أن الحزن كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ويشهد لذلك ما مر في حديث الشيخين. وأنكر الرافضة دلالة الآية على شيء من الفضل في حق الصديق رضي الله تعالى عنه قالوا: إن الدال على الفضل إن كان {ثَانِيَ اثنين} فليس فيه أكثر من كون أبي بكر متما للعدد، وإن كان {إِذْ هُمَا فِى الغار} فلا يدل على أكثر من اجتماع شخصين في مكان وكثيرًا ما يجتمع فيه الصالح والطالح، وإن كان {لِصَاحِبِهِ} فالصحبة تكون بين المؤمن والكافر كما في قوله تعالى: {قَالَ لَهُ صاحبه وَهُوَ يحاوره أَكَفَرْتَ بالذى خَلَقَكَ} [الكهف: 37] وقوله سبحانه: {وَمَا صاحبكم جْنُونٍ} [التكوير: 22] و{ياصاحبى السجن} [يوسف: 39] بل قد تكون بين من يعقل وغيره كقوله:
إن الحمار مع الحمير مطية *** وإذا خلوت به فبئس الصاحب
وإن كان {لاَ تَحْزَنْ} فيقال: لا يخلو إما أن يكون الحزن طاعة أو معصية لا جائز أن يكون طاعة وإلا لما نهى عنه صلى الله عليه وسلم فتعين أن يكون معصية لمكان النهي وذلك مثبت خلاف مقصودكم على أن فيه من الدلالة على الجبن ما فيه، وإن كان {إِنَّ الله مَعَنَا} فيحتمل أن يكون المراد إثبات معية الله تعالى الخاصة له صلى الله عليه وسلم وحده لكن أتى بنا سد الباب الايحاش، ونظير ذلك الإتيان بأوفى قوله: {وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لعلى هُدًى أَوْ فِى ضلال مُّبِينٍ} [سبأ: 24] وإن كان {فَأَنزَلَ الله سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ} فالضمير فيه للنبي صلى الله عليه وسلم لئلا يلزم تفكيك الضمائر، وحينئذ يكون في تخصيصه عليه الصلاة والسلام بالسكينة هنا مع عدم التخصيص في قوله سبحانه: {فَأَنزَلَ الله سَكِينَتَهُ على رَسُولِهِ وَعَلَى المؤمنين} [الفتح: 26] إشارة إلى ضد ما ادعيتموه، وإن كان ما دلت عليه الآية من خروجه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك الوقت فهو عليه الصلاة والسلام لم يخرجه معه الا حذرًا من كيده لو بقي مع المشركين كة، وفي كون المجهز لهم بشراء الإبل عليًا كرم الله تعالى وجهه إشارة لذلك، وإن كان شيئًا وراء ذلك فبينوه لنتكلم عليه انتهى كلامهم.
ولعمى انه أشبه شيء بهذيان المحموم أو عربدة السكران ولولا ان الله سبحانه حكى في كتابه الجليل عن اخوانهم اليهود والنصارى ما هو مثل ذلك ورده رحمة بضعفاء المؤمنين ما كنا نفتح في رده فما أو نجري في ميدان تزييفه قلما لكنى لذلك أقول: لا يخفى أن {ثَانِيَ اثنين} وكذا {إِذْ هُمَا فِى الغار} إنما يدلان عونة المقام على فضل الصديق رضي الله تعالى عنه ولا ندعي دلالتهما مطلقًا ومعونة المقام أظهر من نار على علم ولا يكاد ينتطح كبشان في أن الرجل لا يكون ثانيًا باختياره لآخر ولا معه في مكان إذا فر من عدو ما لم يكن معولًا عليه متحققًا صدقه لديه لا سيما وقد ترك الآخر لأجله أرضًا حلت فيها قوابله وحلت عنه بها تمائمه وفارق أحبابه وجفا أترابه وامتطى غارب سبسب يضل به القطا وتقصر فيه الخطا. ومما يدل على فضل تلك الاثنينية قوله صلى الله عليه وسلم مسكنًا جأش أبي بكر: «ما ظنك باثنين الله تعالى ثالهما» والصحبة اللغوية وان لم تدل بنفسها على المدعي لكنها تدل عليه عونة المقام أيضًا فاضافة صاحب إلى الضمير للعهد أي صاحبه الذي كان معه في وقت يجفو فيه الخليل خليله ورفيقه الذي فارق لمرافقته أهله وقبيله، وأن {لاَ تَحْزَنْ} ليس الالمقصود منه حقيقة النهي عن الحزن فانه من الأمور التي لا تدخل تحت التكليف بل المقصود منه التسلية للصديق رضي الله تعالى عنه أو نحوها، وما ذكروه من الترديد يجري مثله في قوله تعالى خطابًا لموسى. وهارون عليهما السلام: {لاَ تَخَافَا إِنَّنِى مَعَكُمَا} [طه: 46] وكذا في قوله سبحانه للنبي صلى الله عليه وسلم: {وَلاَ يَحْزُنكَ قَوْلُهُمْ إِنَّ العزة للَّهِ جَمِيعًا} [يونس: 65] إلى غير ذلك، أفترى ان الله سبحانه نهى عن طاعته؟ أو أن أحدًا من أولئك المعصومين عليهم الصلاة والسلام ارتكب معصية سبحانك هذا بهتان عظيم، ولا ينافي كون الحزن من الأمور التي لا تدخل تحت التكليف بالنظر إلى نفسه انه قد يكون موردًا للمدح والذم كالحزن على فوات طاعة فانه ممدوح والحزن على فوات معصية فانه مذموم لأن ذلك باعتبار آخر كما لا يخفى، وما ذكر في حيز العلاوة من أن فيه من الدلالة على الجبن ما فيه فيه من ارتكاب الباطل ما فيه فانا لا نسلم أن الخوف يدل على الجبن وإلا لزم جبن موسى وأخيه عليهما السلام فما ظنك بالحزن؟ وليس حزن الصديق رضي الله تعالى عنه بأعظم من الاختفاء بالغار، ولا يظن مسلم أنه كان عن جبن أو يتصف بالجبن أشجع الخلق على الإطلاق صلى الله عليه وسلم؟، ومن أنصف رأى أن تسليته عليه الصلاة والسلام لأبي بكر بقوله: {لاَ تَحْزَنْ} كما سلاه ربه سبحانه بقوله: {وَلاَ يَحْزُنكَ قَوْلُهُمْ} [يونس: 65] مشيرة إلى الصديق رضي الله تعالى عنه عنده عليه الصلاة والسلام نزلته عند ربه جل شأنه فهو حبيب حبيب الله تعالى بل لو قطع النظر عن وقوع مثل هذه التسلية من الله تعالى لنبيه النبيه صلى الله عليه وسلم كان نفس الخطاب بلا تحزن كافيًا في الدلالة على أنه رضي الله تعالى عنه حبيب رسول الله صلى الله عليه وسلم وإلا فكيف تكون محاورة الاحباء وهذا ظاهر إلا عند الاعداء. وما ذكر من ان المعية الخاصة كانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم وحده والاتيان بنا لسد باب الايحاش من باب المكابرة الصرفة كما يدل عليه الخبر المار آنفًا، على أنه إذا كان ذلك الحزن اشفاقًا على رسول الله عليه الصلاة والسلام لا غير فأي ايحاش في قوله لا تحزن على أن الله معي، وإن كان اشفاقًا على الرسول صلى الله عليه وسلم وعلى نفسه رضي الله تعالى عنه لم يقع التعليل موقعه والجملة مسوقة له ولو سلمنا الإيحاش على الأول ووقوع التعليل موقعه على الثاني يكون ذلك الحزن دليلًا واضحًا على مدح الصديق، وإن كان على نفسه فقط كما يزعمه ذو النفس الخبيثة لم يكن للتعليل معنى أصلا، وأي معنى في لا تحزن على نفسك إن الله معي لا معك.
على أنه يقال للرافضي هل فهم الصديق رضي الله تعالى عنه من الآية ما فهمت من التخصيص وأن التعبير {بِنَا} كان سدًا لباب الإيحاش أم لا؟ فإن كان الأول يحصل الإيحاش ولا بد فنكون قد وقعنا فيما فررنا عنه، وإن كان الثاني فقد زعمت لنفسك رتبة لم تكن بالغها ولو زهقت روحك، ولو زعمت المساواة في فهم عبارات القرآن الجليل وإشاراته لمصاقع أولئك العرب المشاهدين للوحي ما سلم لك أو تموت فكيف يسلم لك الامتياز على الصديق وهو هو وقد فهم من اشارته صلى الله عليه وسلم في حديث التخيير ما خفي على سائر الصحابة حتي علي كرم الله تعالى وجهه فاستغربوا بكاءه رضي الله تعالى يومئذ، وما ذكر من التنظير في الآية مشير إلى التقية التي اتخذها الرافضة دينا وحرفوا لها الكلم عن مواضعها، وقد اسلفنا لك الكلام في ذلك على أتم وجه فتذكره، وما ذكر في أمر السكينة فجوابه يعلم مما ذكرناه، وكون التخصيص مشيرًا إلى إخراج الصديق رضي الله تعالى عنه عن زمرة المؤمنين كما رمز إليه الكلب عدو الله ورسوله صلى الله عليه وسلم لو كان ما خفي على أولئك المشاهدين للوحي الذين من جملتهم الأمير كرم الله تهالى وجهه فكيف مكنوه من الخلافة التي هي أخت النبوة عند الشيعة وهم الذين لا تأخذهم في الله تعالى لومة لائم، وكون الصحابة قد اجتمعوا في ذلك على ضلالة، والأمير كان مستضعفًا فيما بينهم أو مأمورًا بالسكوت وغمد السيف إذ ذاك كما زعمه المخالف قد طوى بساط رده وعاد شذر مذر فلا حاجة إلى اتعاب القلم في تسويد وجه زاعمه، وما ذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يخرجه الا حذرا من كيده فيه أن الآية ليس فيها شائبة دلالة على إخراجه له أصلًا فضلًا عن كون ذلك حذرًا من الكيد، على أن الحذر لو كان في معيته له عليه الصلاة والسلام وأن فرصة تكون مثل الفرصة التي حصلت حين جاء الطلب لباب الغار؟ فلو كان عند أبي بكر رضي الله تعتالى عنه وحاشاه أدنى ما يقال لقال: هلموا فههنا الغرض، ولا يقال: إنه خاف على نفسه أيضًا لأنه يمكن أن يخلصها منهم بأمور ولا أقل من أن يقول لهم: خرجت لهذه المكيدة، وأيضًا لو كان الصديق كما يزعم الزنديق فأي شيء منعه من أن يقول لابنه عبد الرحمن أو ابنته أسماء أو مولاه عامر بن فهيرة فقد كانوا يترددون إليه في الغار كما أخرج ابن مردويه عن عائشة فيخبر أحدهم الكفار كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، على أنه على هذا الزعم يجيء حديث التمكين وهو أقوى شاهد على أنه هو هو وأيضًا إذا انفتح باب هذا الهذيان أمكن للناصبي أن يقول والعياذ بالله تعالى في علي كرم الله تعالى وجهه: إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمره بالبيتوتة على فراشه الشريف ليلة هاجر الا ليقتله المشركون ظنًا منهم أنه النبي صلى الله عليه وسلم فيستريح منه، وليس هذا القول بأعجب ولا أبطل من قول الشيعي: إن إخراج الصديق إنما كان حذرًا من شره فليتق الله سبحانه من فتح هذا الباب المستهجن عند ذوي الألباب، وزعم أن تجهيز الأمر كرم الله تعالى وجهه لهم بشراء الاباعر اشارة إلى ذلك لا يشير بوجه من الوجوه، على أن ذلك وإن ذكرناه فيما قبل إنما جاء في بعضالروايات عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما والمعول عليه عند المحدثين غير ذلكد ولا بأس بايراده تكميلًا للفائدة وتنويرًا لفضل الصديق رضي الله تعالى عنه فنقول:
أخرج عبد الرزاق.
وأحمد. وعبد بن حميد. والبخاري. وابن المنذر. وابن أبي حاتم من طريق الزهري عن عروة عن عائشة قالت: «لم أعقل أبوي قط إلا وهما يدينان الدين ولم يمرر علينا يوم إلا يأتينا فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم طرفي النهار بكرة وعشية ولما ابتلى المسلمون خرج أبو بكر مهاجرًا قبل أرض الحبشة حتى إذا بلغ برك العماد لقيه ابن الدغنة وهو سيد القارة فقال ابن الدغنة: أين تريد يا أبا بكر؟ فقال أبو بكر: أخرجني قومي فأريد أن أسيح في الأرض وأعبد ربي. قال ابن الدغنة: مثلك يا أبا بكر لا يخرج ولا يخرج إنك تكسب المعدوم وتصل الرحم وتحمل الكل وتقرى الضيف وتعين على نوائب الحق فانا لك جار فارجع فاعبد ربك ببلدك فارتحل ابن الدغنة فرجع مع أبي بكر فطاف ابن الدغنة في كفار قريش فقال: إن أبا بكر لا يخرج مثله ولا يخرج أتخرجون رجلًا يكسب المعدوم ويصل الرحم ويحمل الكل ويقرى الضيف ويعين على نوائب الحق فأنفذت قريش جوار ابن الدغنة وأمنوا أبا بكر وقالوا لابن الدغنة: مر أبا بكر فليعبد ربه في داره وليصل فيه ما شاء وليقرأ ما شاء ولا يؤذينا ولا يستعلن باللاة والقراءة في غير داره ففعل ثم بدا لأبي بكر فابتني مسجدًا بفناء دار فكان يصلي فيه ويقرأ فيتقصف عليه نساء المشركين وأبناؤهم يعجبون منه وينظرون إليه وكان رجلًا بكاء لا يملك دمعه حين يقرأ القرآن فأفزع ذلك اشراف قريش فأرسلوا إلى ابن الدغنة فقدم عليهم فقالوا: إنما أجرنا أبا بكر على أن يعبد ربه في داره وانه جاوز ذلك فابتنى مسجدًا بفناء داره وأعلن بالصلاة والقراءة وإنا خشينا أن يفتتن نساؤنا وأبناؤنا فان أحب أن يقتصر على أن يعبد ربه في داره فعل وأن أبى إلا أن يعلن ذلك فسله أن يرد إليك ذمتك فأنا قد كرهنا أن نخفرك ولسنا مقرين لأبي بكر الاستعلان فأتى ابن الدغنة أبا بكر فقال: يا أبا بكر قد علمت الذي عقدت لك عليه فاما أن تقتصر على ذلك وإما أن ترد إلى ذمتي فاني لا أحب أن تسمع العرب إني أخفرت في عقد رجل عقدت له فقال أبو بكر: فاني أرد إليك جوارك وأرضى بجوار الله تعالى ورسوله عليه الصلاة والسلام ورسول الله صلى الله عليه وسلم كة يومئذ قال للمسلمين: قد أريت دار هجرتكم أريت سبخة ذات نخل بين لابتين وهما حرتان فهاجر من هاجر قبل المدينة إلى أرض الحبشة من المسلمين وتجهز أبو بكر مهاجرًا فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: على رسلك فانى أرجو أن يؤذن لي.
فقال أبو بكر: وترجو ذلك بأبي أنت قال: نعم. فحبس أبو بكر نفسه على رسول الله صلى الله عليه وسلم لصحبته وعلف راحلتين كانتا عنده ورق السمر أربعة أشهر فبينما نحن جلوس في بيتنا في نحر الظهيرة قال قائل لأبي بكر: هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم مقبلًا في ساعة لم يكن يأتينا فيها فقال أبو بكر: فداه أبي وأمي إن جاء به في هذه الساعة إلا أمر فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستأذن من عندك؟ فقال أبو بكر: إنما هم أهلك بأبي أنت يا رسول الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم. فانه قد أذن لي بالخروج. فقال أبو بكر: فالصحابة بأبي أنت يا رسول الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: نعم. فقال أبو بكر: فخذ بأبي أنت يا رسول الله إحدى راحلتي هاتين فقال رسول الله عليه الصلاة والسلام: بالثمن قالت عائشة: فجهزناهما أحث الجهاز فصنعنا لهما سفرة في جراب فقطعت أسماء بنت أبي بكر من نطاقها فأوكت به الجراب فلذلك كانت تسمى ذات النطاق. ولحق رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر بغار في جبل يقال له ثور فمكثا فيه ثلاث ليال يبيت عندهما عبد الله بن أبي بكر وهو غلام شاب ثقف لقن فيخرج من عندهما سحرًا فيصبح مع قريش كة كبائت فلا يسمع أمرًا يكادان به إلا وعاه حتى يأتيهما بخبر ذلك حتى يختلظ الظلام ويرعى عليهما عامر بن فهيرة مولى لأبي بكر منيحة من غنم فيريحها عليهما حين يذهب بغلس ساعة من الليل فيبيتان في رسلها حتى ينعق بها عامر بغلس يفعل ذلك كل ليلة من تلك الليالي الثلاث، واستأجر رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلًا من الدئل من بني عبد بن عدي هاديًا خريتا قد غمس يمين حلف في آل العاص بن وائل وهو على دين كفار قريش فأمناه فدفعا إليه راحلتيهما وواعداه غار ثور بعد ثلاث فأتاهما براحلتيهما صبيحة ثلاث ليال فأخذ بهم طريق أذاخر وهو طريق الساحل» الحديث بطوله، وفيه من الدلالة على فضل الصديق رضي الله تعالى عنه ما فيه، وهو نص في أن تجهيزهما كان في بيت أبي بكر وأن الراحلتين كانتا له، وذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقبل إحداهما إلا بالثمن يرد على الرافضي زعم نهمة الصديقة وحاشاها في الحديث.
هذا ومن أحاط خبرًا بأطراف ما ذكرناه من الكلام في هذا المقام علم أن قوله: كان شيئًا وراء ذلك فبينوه لنا حتى نتكلم عليه ناشىء عن محص الجهل أو العناد {وَمَن يُضْلِلِ الله فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ} وبالجملة إن الشيعة قد اجتمعت كلمتهم على الكفر بدلالة الآية على فضل الصديق رضي الله تعالى عنه ويأبي الله تعالى إلا أن يكون كلمة الذين كفروا السفلى وكلمته هي العليا.


{انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (41)}
{انْفِرُواْ} تجريد للأمر بالنفور بعد التوبيخ على تركه والإنكار على المساهلة فيه، وقوله سبحانه: {خِفَافًا وَثِقَالًا} حالان من ضمير المخاطبين أيعلى كل حال من يسر أو عسر حاصلين بأي سبب كان من الصحة والمرض أو الغنى والفقر أو قلة العيال وكثرتهم أو الكبر والحداثة أو السمن والهزال أو غير ذلك مما ينتظم في مساعدة الأسباب وعدمها بعد الامكان والقدرة في الجملة. أخرج ابن أبي حاتم. وأبو الشيخ عن أبي يزيد المديني قال: كان أبو أيوب الأنصاري. والمقداد بن الأسود يقولان: أمرنا أن ننفر على كل حال ويتأولان الآية. وأخرجا عن مجاهد قال: قالوا إن فينا الثقيل وذا الحاجة. والصنعة، والشغل. والمنتشر به أمره فأنزل الله تعالى: {انفروا خِفَافًا وَثِقَالًا} وأبى أن يعذرهم دون أن ينفروا خفافًا وثقالًا وعلى ما كان منهم، فما روي في تفسيرهما من قولهم: خفافًا من السلاح وثقالا منه أو ركبانًا ومشاة أو شبانًا وشيوخًا أو أصحاء ومراضا إلى غير ذلك ليس تخصيصًا للأمرين المتقابلين بالإرادة من غير مقارنة للباقي. وعن ابن أم مكتوم أنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أعلى أن أنفر؟ قال: نعم. حتى نزل: {لَّيْسَ عَلَى الاعمى حَرَجٌ} [النور: 61] وأخرج ابن أبي حاتم. وغيره عن السدى قال: لما نزلت هذه الآية اشتد على الناس شأنها فنسخها الله تعالى فقال: {لَّيْسَ عَلَى الضعفاء وَلاَ على المرضى} [التوبة: 91] الآية. وقيل: إنها منسوخة بقوله تعالى: {وَمَا كَانَ المؤمنون لِيَنفِرُواْ كَافَّةً} [التوبة: 122] وهو خلاف الظاهر، ويفهم من بعض الروايات أن لا نسخ فقد أخرج ابن جرير. والطبراني. والحاكم وصححه عن أبي راشد قال: رأيت المقداد فارس رسول الله صلى الله عليه وسلم بحمص يريد الغزو فقلت: لقد أعذر الله تعالى إليك قال: أبت علينا سورة البحوث يعني هذه الآية منها.
{وجاهدوا بأموالكم وَأَنفُسِكُمْ فِى سَبِيلِ الله} أي بما أمكن لكم منهما كليهما أو أحدهما والجهاد بالمال انفاقه على السلاح وتزويد الغزاة ونحو ذلك {ذلكم} أي ما ذكر من النفير والجهاد، وما فيه من معنى البعد لما مر غير مرة {خَيْرٌ} عظيم في نفسه {لَكُمْ} في الدنيا أو في الآخرة أو فيهما، ويجوز أن يكون المراد خير لكم مما يبتغي بتركه من الراحة. والدعة. وسعة العيش. والتمتع بالأموال والأولد. {إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} أي إن كنتم تعلمون الخير علمتم أنه خير أو إن كنتم تعلمون أنه خير إذ لا احتمال لغير الصدق في أخباره تعالى فبادروا إليه، فجواب إن مقدر. وعلم اما متعدية لواحد عنى عرف تقليلًا للتقدير أو متعدية لاثنين على بابها هذا.
ومن باب الإشارة في الآيات أن قوله سبحانه: {لَقَدْ نَصَرَكُمُ الله فِى مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ} [التوبة: 25] إلخ اشارة إلى أنه لا ينبغي للعبد أن يحتجب بشيء عن مشاهدة الله تعالى والتوكل عليه ومن احتجب بشيء وكل إليه، ومن هنا قالوا: استجلاب النصر في الذلة والافتقار والعجز، ولما رأى سبحانه ندم القوم على عجبهم بكثرتهم ردهم إلى ساحة جوده وألبسهم أنوار قربه وأمدهم بجنوده وإليه الإشارة بقوله تعالى: {ثُمَّ أَنزَلَ الله سَكِينَتَهُ على رَسُولِهِ وَعَلَى المؤمنين} [التوبة: 26] الآية، وكانت سكينته عليه الصلاة والسلام كما قال بعض العارفين من مشاهدة الذات وسكينة المؤمنين من معاينة الصفات، ولهم في تعريف السكينة عبارات كثيرة متقاربة المعنى فقيل: هي استحكام القلب عند جريان حكم الرب بنعت الطمأنينة بخمود آثار البشرية بالكلية والرضا بالبادي من الغيب من غير معارضة واختيار، وقيل: هي القرار على بساط الشهود وبشواهد الصحو والتأدب بإقامة صفاء العبودية من غير لحوق مشقة ولا تحرك عرق عارضة حكمد وقيل: هي المقام مع الله تعالى بفناء الحظوظ. والحنود روادف آثار قوة تجلي الحق سبحانه، ويقال: هي وفود اليقين وزوائد الاستبصار.
والإشارة في قوله تعالى: {إِنَّمَا المشركون نَجَسٌ} [التوبة: 28] إلخ إلى أن من تدنس بالميل إلى السوى وأشرك بعبادة الهوى لا يصلح للحضرة وهل يصلح لبساط القدس الا المقدس. وذكر أبو صالح حمدون أن المشرك في عمله من يحسن ظاهره لملاقاة الناس ومخالطتهم ويظهر للخلق أحسن ما عنده وينظر إلى نفسه بعين الرضا عنها وينجس باطنه بنحو الرياء. والسمعة. والعجب. والحقد. ونحو ذلك فالحرم الإلهي حرام على هذا وهيهات هيهات أن يلج الملكوت أو لج الجمل في سم الخياط، وقال بعض العارفين: من فقد طهارة الإسراء اء التوحيد وبقي في قاذورات الظنون والأوهام فذلك هو المشرك وهو ممنوع عن قربان المساجد التي هي مشاهد القرب. وفي الآية إشارة إلى منع الاختلاط مع المشركين، وقاس الصوفية أهل الدنيا بهم، ومن هنا قال الجنيد: الصوفية أهل غيب لا يدخل فيهم غيرهم. وقال بعضهم: من بقي في قلبه نظر إلى غير خالقه لا يجوز أن يدنو إلى مجالس الأولياء غير مستشف بهم فإن صحبته تشوش خواطرهم وينجس بنفسه أنفاسهم، وصحبة المنكر على أولياء الله تعالى تورث فتقا يصعب على الخياط رتقه وتؤثر خرقا يعيي الواعظ رقعه، ومن الغريب ما يحكى أن الجنيد قدس سره جلس يومًا مع خاصة أصحابه وقد أغلق باب المجلس حذرًا من الاغيار وشرعوا يذكرون الله تعالى فلم يتم لهم الحضور ولافتح لهم باب التجلي الذي يعهدونه عند الذكر فتعجبوا من ذلك فقال الجنيد. هل معكم منكر حرمنا بسببه؟ فقالوا: لا. ثم اجتهدوا في معرفة المانع فلم يجدوا الا نعلا لمنكر فقال الجنيد: من هنا أوتينا، فانظر يرحمك الله تعالى إذا كان هذا حال نعل المنكر فما ظنك به إذا حضر بلحيته؟
ثم إنه سبحانه ذم أهل الكتابين بالاحتجاب عن رؤية الحق سبحانه حيث قال جل شأنه: {اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أَرْبَابًا مّن دُونِ الله} [التوبة: 31] وفيه إشارة إلى ذم التقليد الصرف وذم البخلاء بقوله سبحانه: {والذين يَكْنِزُونَ الذهب والفضة} [التوبة: 34] الآية، ولعمري انهم أحقاء بالذم، وقد قال بعضهم: من بخل بالقليل من ملكه فقد سد على نفسه باب نجاته وفتح عليها طريق هلاكه.
ولا يخفى أن جمع المال وكنزه وعدم الإنفاق لا يكون الا لاستحكام رذيلة الشح وكل رذيلة كية يعذب بها صاحبها في الآخرة ويخزى بها في الدنيا. ولما كانت مادة رسوخ تلك الرذيلة واستحكامها هي ذلك المال كان هو الذي يحمى عليه في نار جهنم الطبيعة وهاوية الهوى فيكوى صاحبه به، وخصت هذه الأعضاى لأن الشح مركوز في النفس تغلب القلب من هذه الجهات لا من جهة العلو التي هي جهة استيلاء الروح وممد الحقائق والأنوار ولا من جهة السفلى التيهي جهة الطبيعة الجسمانية لعدم تمكن الطبيعة من ذلك فبقيت سائر الجهات فيؤذى بذلك من الجهات الأربع ويعذب، وهذا كما تراه يعاب في الدنيا ويخزي من هذه الجهات فيواجه بالذم جهرًا فيفضح أو يسار في جنبه أو يغتاب من وراء ظهره قاله بعض العارفين. ولهم في قوله سبحانه: {إِنَّ عِدَّةَ الشهور عِندَ الله اثنا عَشَرَ شَهْرًا} [التوبة: 36] تأويل بعيد يطلب من محله، وقوله سبحانه: {إِلاَّ تَنصُرُوهُ} إلخ عتاب للمتثاقلين أو لأهل الأرض كافة وارشاد إلى أنه عليه الصلاة والسلام مستغن بنصرة الله عن نصرة المخلوقين. وفيه إشارة إلى رتبة الصديق رضي الله تعالى عنه فقد انفرد برسول الله صلى الله عليه وسلم انفراده عليه الصلاة والسلام بربه سبحانه في مقام قاب قوسين، ومعنى {إِنَّ الله مَعَنَا} [التوبة: 40] على ما قال ابن عطاء إنه معنا في الازل حيث وصل بيننا بوصلة الصحبة وأثر هذه المعية قد ظهر في الدنيا والآخرة فلم يفارقه حيًا ولا ميتًا، وقيل: معنا بظهور عنايته ومشاهدته وقربه الذي لا يكيف، ولله تعالى در من قال:
يا طالب الله في العرش الرفيع به *** لا تطلب العرش أن المجد للغار
ولا يخفى ما بين قول النبي صلى الله عليه وسلم: {إِنَّ الله مَعَنَا} وقول موسى عليه السلام: {إِنَّ مَعِىَ رَبّى} [الشعراء: 62] من الفرق الظاهر لأرباب الأذواق حيثقدم نبينا صلى الله عليه وسلم اسمه تعالى عليه وعكس موسى عليه السلام، وأتى صلى الله عليه وسلم بالاسم الجامع وأتى الكليم باسم الرب، وأتى عليه الصلاة والسلام بنا في {مَعَنَا} وأتى موسى عليه السلام بياء المتكلم لأن نبينا صلى الله عليه وسلم على خلق لم يكن عليه موسى عليه الصلاة والسلام.
والضمير في قوله تعالى: {فَأَنزَلَ الله سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ} [التوبة: 40] إن كان للصاحب فالأمر ظاهر وإن كان للنبي عليه الصلاة والسلام فيقال: في ذلك إشارة إلى مقام الفناء في الشيخ إذ ذاك.
وقال بعض الأكابر: أنزلت السكينة عليه عليه الصلاة والسلام لتسكين قلب الصديق رضي الله تعالى عنه وإذهاب الحزن عنه بطريق الانعكاس والإشراق ولو أنزلت على الصديق بغير واسطة لذاب لها ولعظمها فكأنه قيل: أنزل سكينة صاحبه عليه. {انفروا خِفَافًا وَثِقَالًا} أي انفروا إلى طاعة مولاكم خفافًا بالأرواح ثقالًا بالقلوب، أو خفافًا بالقلوب وثقالًا بالأجسام بأن يطيعوه بالأعمال القلبية والقالبية، أو خفافًا بأنوار المودة وثقالًا بأمانات المعرفة، أو خفافًا بالبسط وثقالًا بالقبض، وقيل: خفافًا بالطاعة وثقالًا عن المخالفة. وقيل غير ذلك {وجاهدوا بأموالكم} بأن تنفقوها للفقراء {وأَنفُسَكُمْ} بأن تجودوا بها لله تعالى: {ذلكم خَيْرٌ لَّكُمْ} في الدارين {إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} [التوبة: 41] ذلك والله تعالى الموفق للرشاد.


{لَوْ كَانَ عَرَضًا قَرِيبًا وَسَفَرًا قَاصِدًا لَاتَّبَعُوكَ وَلَكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ وَسَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَوِ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (42)}
{لَّوْ كَانَ} أي ما دعوا إليه كما يدل عليه ما تقدم {عَرَضًا قَرِيبًا} أي غنمًا سهل المأخذ قريب المنال، وأصل العرض ما عرض لك من منافع الدنيا ومتاعها. وفي الحديث: «الدنيا عرض حاضر يأكل منه البر والفاجر» {وَسَفَرًا قَاصِدًا} أي متوسطًا بين القرب والبعد وهو من باب تامر ولابن {لاَّتَّبَعُوكَ} أي لوافقوك في النفير طمعًا في الفوز بالغنيمة، وهذا شروع في تعيدي ما صدر عنهم من الهنات قولًا وفعلًا وبيان قصور همهم وما هم عليه من غير ذلك، وقيل: هو تقرير لكونهم متثاقلين مائلين إلى الإقامة بأرضهم، وتعليق الاتباع بكلا الأمرين يدل على عدم تحققه عند توسط السفر فقط {ولكن بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشقة} أي المسافة التي تقطع شقة. وقرأ عيسى بن عمر {بَعِدَتْ} بكسر العين {والشقة} بكسر الشين، وبعد يبعد كعلم يعلم لغة واختص ببعد الموت غالبًا، وجاء لا تبعد للتفجع والتحسر في المصائب كما قال:
لا يبعد الله إخوانًا لنا ذهبوا *** أفناهم حدثان الدهر والأبد
{وَسَيَحْلِفُونَ} أي المتهلفون عن الغزو {بالله} متعلق بسيحلفون، وجوز أن يكون من جمة كلامهم ولا بد من تقدير القول في الوجهين أي سيحلفون عند رجوعك من غزوة تبوك بالله قائلين {لَوِ استطعنا} أو سيحلفون قائلين بالله لو استطعنا الخ، وقيل: لا حاجة إلى تقدير القول لأن الحلف من جنس القول وهو أحد المذهبين المشهورين، والمعنى لو كان لنا استطاعة من جهة العدة أو من جهة الصحة أو من جهتيهما معًا حسا عن لهم من التعلل والكذب {لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ} لما دعوتمونا إليه وهذا جواب القسم وجواب لو محذوف على قاعدة اجتماع القسم والشرط إذا تقدم القسم وهو اختيار ابن عصفور، واختار ابن مالك أنه جواب {لَوْ} ولو وجوابها جواب القسم، وقيل: إنه ساد مسد جوابي القسم والشرط جميعًا، والقسم على الاحتمال الأول ظاهر وأما على الثاني فلأن {لَوِ استطعنا} في قوة بالله لو استطعنا لأنه بيان لسيحلفون بالله وتصديق له كما قيل.
واعترض القول الأخير بأنه لم يذهب إليه أحد من أهل العربية. وأجيب بأن مراد القائل أنه لما حذف جواب {لَوْ} دل عليه جواب القسم جعل كأنه ساد مسد الجوابين. وقرأ الحسن. والأعمش {لَوِ استطعنا} بضم الواو تشبيهًا لها بواو الجمع كما في قوله تعالى: {فَتَمَنَّوُاْ الموت} [الجمعة: 6] و{اشتروا الضلالة} [البقرة: 16] وقرئ بالفتح أيضًا {يُهْلِكُونَ أَنفُسَهُمْ} بايقاعها في العذاب، قيل: وهو بدل من {سَيَحْلِفُونَ} واعترض بأن الهلاك ليس مرادفًا للحلف ولا هو نوع منه، ولا يجوز أن يبدل فعل من فعل إلا أن يكون مرادفًا له أو نوعًا منه.
وأجيب بأن الحلف الكاذب إهلاك للنفس ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: «اليمين الفاجرة تدع الديار بلاقع» وحاصله أنهما ترادفان ادعاء فيكون بدل كل من كل، وقيل إنه بدل اشتمال إذ الحلف سبب للاهلاك والمسبب يبدل من السبب لاشتماله عليه، وجوز أن يكون حالًا من فاعله أن سيحلفون مهلكين أنفسهم، وأن يكون حالًا من فاعل {لَخَرَجْنَا} جيء به على طريقة الأخبار عنهم كأنه قيل: نهلك أنفسنا أي لخرجنا مهلكين أنفسنا كما في قولك: حلف ليفعلن مكان لأفعلن ولكن فيه بعد. وجوز أبو البقاء الاستئناف {والله يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لكاذبون} في مضمون الشرطية وفيما ادعوا ضمنا من انتفاء تحقق المقدم حيث كانوا مستطيعين للخروج ولم يخرجوا.
واستدل بالآية على أن القدرة قبل الفعل.

10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 | 17